بزغ فجر الحضارة الإنسانية من الشرق الأدني، منذ أربعة آلاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد، واستقر ضحاها فيه طوال ثلاثة آلاف عام.
[١ - سومر]
لقد حل هنكز الخط المسماري (١٨٥٠) وتوسع فيه أو برت ولورنسن، فجلا الأثريون حضارة سومر في جغرافيتها وسلالاتها وتاريخها جلاء دل على فضلها في وضع أسس النظم التجارية والمصرفية والموازين والمكاييل القانونية، واعتماد العقود المكتوبة والأختام الشخصية في المعاملة. وأثبت أنها كانت، في تاريخ العالم، أول من عرف المركبات ذات العجلات، وقوم السنة باثني عشر شهراً فورث تقويمها عنها اليهود والفرس والمسلمون، وسن قانوناً مدنياً مكتوباً، وجمع المعارف في مكتبات ضمت إحداها مجموعة من ثلاثين ألف لوح.
وتأثر الأكديون بالحضارة السومرية وعدلوا فيها وامتازوا بفن النحت عليها ولكنهم لم يأخذوا بها أخذ البابليين الذين أرسوا عليها أسس حكومتهم الرصينة ومنشآتهم المعمارية وتراثهم الفكري وتوسعهم التجاري. وقد فك جر وتجند رموز الكتابة البابلية (١٨٠٢) فكشف عن أثر البابليين في تقدم الطب والرياضة والجغرافيا، وعن إبداعهم علم الفلك، وتدوينهم أقدم القوانين، وهي مجموعة حمورابي - التي عثر عليها بين أنقاض مدينة السوس (١٩٠٢) وبلوغ حضارتهم المادية في عهده درجة لم يبلغها غيرها من مدن آسيا إلا بعد مئات السنين.
وخلفهم الآشوريون فاقتبسوا عنهم وتكون أدبهم في جملته من آثارهم، ما خلا الحوليات الملكية الآشورية، وهي مصادر تاريخية ذات أهمية بالغة، وقد جمع آشور بانيبال مكتبة من اثنتين وعشرين ألف آجرة في الدين والأدب