مر بنا فيما أوردنا من تراجم المستشرقين وآثارهم، ما بذلوه من علم وجهد ووقت يستوي فيه بذل المال من قبل الأفراد: كما كميلان، وكايتاني، ودى خويه، وجيب. والمؤسسات: كفورد، وكارنيجي، وركفلر. والدول: في ميزانيات التعليم والثقافة والبعثات، في سبيل إقامة كراسي اللغات الشرقية، وتنظيم مكتباتها ومتاحفها، وإنشاء مطابعها ومجلاتها، وتأليف مجموعاتها، وعقد المؤتمرات لها، وإيفاد البعثات الأثرية إلى مواطنها، ثم تحقيق جماع تراثها وترجمته بشتى اللغات والتصنيف فيه، ونشره بين الناس، في الشرق والغرب، منذ مئات السنين.
فهل يتساوي نشاطهم له وتضافرهم فيه مع الذي قاموا به في متعدد أوجهه، مقداراً ومدى؟
[١ - كراسى اللغات الشرقية]
لقد أنشئت في الغرب، منذ العصر الوسيط، مئات المدارس والمعاهد وكراسي اللغات الشرقية (١) ثم تضاعف عددها منذ القرن السابع عشر، عندما بدأت تقوم مثيلاتها على غرارها في الشرق. ووضعت اللغات الشرقية، ولا سيما العربية، في مصاف اليونانية واللاتينية، وأصبح لها من الشأن في الجامعات باللغات الأخرى: أساتذة ومناهج وشهادات. وعلمت معاهد الإرساليات كاثوليكية كانت أو أرثوذكسية أو بروتستايتية أو علمانية، في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، ما علمت أبناء قومها ومللها ونحلها في الغرب.
وكان المستشرقون، وما زالوا، يدرسون العربية في علومها وآدابها وفنونها، وصلاتها بغيرها من اللغات السامية، وتأثرها بالتراث الإنساني وأثرها فيه، على المنهج العلمي الذي يطبقه زملاؤهم على لغاتهم. وفتحت جامعات الغرب والشرق