أما فنون وآداب وعلوم تلك البلدان التي فتحها العرب فقد انصرفت عنها الخلافة الأموية (٦٦٠ - ٧٥٠) إلى درس القرآن الكريم وضبط اللغة لشرحه واستنباط الأحكام منه، وإلى تدوين الحديث مخافة ضياعه. ونظرت إلى كل ما عداهما في ريبة وحذر، حتى إن عمر بن عبد العزيز، وقد انتقلت الفلسفة في أيامه من الإسكندرية إلى أنطاكيه، استخار الله أربعين يوماً ليضع بين أيدي المسلمين كتاباً طبياً - نقله ماسرجويه من السريانية إلى العربية - يفيدون منه في إصلاح أبدانهم ومداواة عللهم. وقبل انقراض الخلافة الأموية بسبع سنين، نقل أول كتاب في الفلك عن اليونانية بعنوان كتاب عرض مفتاح النجوم، ونسب إلى هرمس الحكيم. ولئن لم يدرك الأمويون قيمة التراث اليوناني والهليستيني فقد تركوه وشأنه - فعلهم بالمكتبات والمراصد والمستشفيات - يعلمه النصارى والصابئة والفرس في مدارس شمالي أفريقيا والإسكندرية والقدس وبيروت وأنطاكية وحران والرها وجنديسابور، ويحتفظون بأمهات كتبه في ترجمة معظمها سرياني حتى القرن العاشر. وكان العرب يقتبسون منه كلما دعتهم الحاجة إليه فنقل الحجاج الحركات من ضم وفتح وكسر عن السريانية ليضع حداً للحن، وأفضى اتصالهم بما كان لنصاري دمشق من تفكير فلسفي ولاهوتي وقانوني إلى نشوء المعتزلة - ومن أتباعها معاوية الثاني ويزيد الثالث - والمرجئة، وإخوان الصفا، والقدرية، وعلم الكلام. وتأثر الفقه بالقانونين اليوناني والروماني، وكان القديس يوحنا الدمشتي (٦٧٦ - ٧٤٩) الذي خلف أباه على بيت المال في خلافة هشام، ثم اعتزل في دير القديس سابا بفلسطين، خير معبر لنقل تلك الأفكار إلى العربية في مصنفاته: منبع العلم، وفيه بحث عن الفرق والمذاهب. ومحاورة مع مسلم، وإرشاد النصارى في جدل المسلمين، وقصة برلعام ويوصافات.