للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لغات الغرب واطلاعه على ما نشر فيها عن الشرق، فقد كان أدرى بالتراث الإنساني ممن انحصروا في نطاق واحد من اللغات السامية، وقرأ لغة من اللغات الآرية والمعجم تحت متناول يده، وأوسع علماً ممن عرفوا جانباً من جوانب تراثهم، بله التراث الإنساني، وأقوى حجة فيما لا يعز عليه من رأى، ولولا هؤلاء العلماء لغاب عنا الكثير مما أسهم به أسلافنا في تطوير الثقافة العالمية ونحن أحق الناس فخراً به.

(ب) وتخصص الواحد منهم بلغة أو دين أو علم أو أدب أو فن أو سلالة أو عصر أو أديب: فهذا باللغة وفقهها وبلاغتها، وذاك بالتشريع في الإسلام ونشأته وتأثره وتطوره، وآخر بالمواليد الطبيعية عند العرب والجغرافيا والتاريخ، وسواه بالموسيقى العربية ومصادرها وآلاتها ومصنفاتها، وغيره بالنباتات المذكورة في الشعر الجاهلي، وآخرون: في الحمدانيين، وفي عصر النهضة، وفي المتنبي. وبما أنهم دخلاء على التراث الشرقي فقد اصطنعوا التمحيص والدقة فيه، لعلمهم بأن الأخطاء الفاحشة والتحريف والتضليل تنال من أقدارهم في أعين الشرقيين وتصرف الأنظار عنهم. وكانوا عديدين من دول متعددة؛ يقروون ما يكتب في موضوعهم بسائر اللغات، ويصحح بعضهم البعض الآخر - كما وقع لدوزي، وفرايتاج، وآسين بالاثيوس، وفانيان الذي تعقب ترجمات حي بن يقظان الكثيرة، المتداولة وأعاد النظر فيها ثم نشرها متنا وترجمة فجاءت الطبعة العلمية الفريدة - وينزلون على الصواب متى أيقنوا الخطأ، مما دفعهم إلى ترصد الكتب والتشدد في نقدها وإعادة طبعها، بعد تنقيحها وضبطها والزيادة عليها، مرات.

(ج) وجلدهم على العمل الذي ضرب به المثل، وربما ينقضى عمر أحدهم في تحقيق مخطوط أو تصنيف كتاب بله مسرد أو مجموعة أو موسوعة دون كلل أو ملل: قادموند كاستل، قضى في وضع مجمل معجم اللغات السامية، ثماني عشرة سنة، بين ست عشرة وثماني عشرة ساعة في اليوم. وإدوارد لين رحل، في سبيل معجمه: مد القاموس، بالعربية والإنجليزية، ثلاث رحلات إلى مصر، وكان يعمل فيه من اثنتي عشرة ساعة إلى أربع عشرة في اليوم، ثم وقف عليه الخمس والعشرين سنة التي انتهت بها حياته. وبارانوف خص القاموس العربي الروسي بعشرين سنة من عمره. وفلوجيل جمع مخطوطات كاب الفهرست لابن النديم من مكتبات فيينا

<<  <  ج: ص:  >  >>