بتراثنا شراً، كما زعم البعض منا، لما استنفذوا أحجاره وأوراقه من الضياع بل عمدوا إلى طيه، إن لم يكن عن العالم فعنا.
[٤ - تحقيق المخطوطات]
ولم يكتف المستشرقون من مخطوطاتنا بجمعها وصونها وفهرستها. وإنما عمدوا، فعلهم بآثارنا، إلى إحيائها بنشرها عن كفاية وجلد وافتتان على أحدث منهج علمي من قراءة نصوصهار الصعبة في أوراق طمس الزمن الكثير من ملامحها، ثم مقابلتها بنظيراتها والتماس الأصالة فيها والتثبت من صحة نسبها إلى أصحابها بمتعدد الأقلام، وفي مختلف الأزمان، مهما كلفهم ذلك من عناء ووقت ومال - قفلوجيل مثلا قضى خمسة وعشرين سنة في جمع مخطوطات نص كتاب الفهرست لابن النديم، من مكتبات فيينا وباريس ولندن، ومات ولا يتم تحقيقها- ومن تصحيح ما فيها من تحريف أو تصحيف ونقدها وتمحيصها على ضوء الاكتشافات الحديثة في الآثار والعلوم والآداب والفنون، ومن أمانة على النص بحيث لا يبيح أحدهم لقلمه أن يتناول كلمة أو حرفة منها بالحذف أو الإضافة أو التغيير، ومن شرح غوامضها والاستدراك عليها والإضافة إليها في هوامش صفحاتها. هذا إلى مقدمات مسهبة ومعاجم مفسرة وفهارس للأغراض والأعلام والأماكن والكتب منسقة.
والمنهج العلمي الحديث الذي انتهجوه في نشر مخطوطاتنا عصم معظم أقلامهم من الزلل إلى حد بعيد، فأنطوني بيفان حقق نقائض جرير والفرزدق، في ١١٠٢ من الصفحات، وحين عثر على خلل في وزن أحد أبياتها، بعد نشرها، أغتم له غمًّا شديداً، ولم يعزه عنه تذييله النقائض بفهرس معجمي لتفسير بعض معاني الألفاظ التي أهملتها المعاجم العربية القديمة، بحسب القرائن، وما تضمن ذلك الفهرس من حواشي وشروح، فوقع في ٣٦٧ صفحة. ونشر ستوري: الفاخر للمفضل الضبي وذيله بفهارس للشعراء والرجال والأمثال والقوافي والألفاظ. ودى خويه: تاريخ الرسل والملوك للطبري، في ٨ آلاف صفحة و ١٥٠ مقدمات وفهارس. ومرجليوث: معجم الأدباء لياقوت، في ٧ أجزاء. واربري: كتاب المواقف ويليه كتاب المخاطبات للنفرى. وياكوب: أسماء النبات المذكورة في الشعر الجاهلي. وكثيراً ما كانوا يتعاونون في هذا كما حدث في كتاب فتوح البلدان للبلاذري بتحقيق: