به ثقافة العصر أثر في أساليب تعليمنا وتحقيق تراثنا ودراسته والتصنيف فيه، وتقييمه بالنسبة إلى التراث العالمى، على جرأة في التفكير والتقدير والجهر بالحق أو ما يعتقد حقا. ثم المضي في طريق لا يعرف سالكه الملل ولا الإخفاق ولا الاتجار، مما طبع حياتنا الفكرية بطابع من الحدة. وقد ظهر ذلك الأثر بيننا في مناهج التعليم ونشر الذخائر، ولا سيما في كتب التاريخ العام: فصنف فيه بعضنا، بعد درس العلوم اللغوية والأدبية والعلمية والفنية، وتمحيص المؤثرات الجغرافية والسياسية والاقتصادية وتعريف الجماعات بطبائعها وتقاليدها وهجرتها ومواطنها وأحداثها، وصلاتها وتفاعلها وتطورها - كتاريخ العرب للدكتور جواد على، ومعظم مراجعه من دراسات المستشرقين - وكان متقدموهم ممن درسوا وصنفوا في التاريخ، حتى الإسلامي منه، يقصرون تواريخهم على الأسر ذات الخطر فحسب، مما جعلها صورة لتواريخ الأقدمين. وقد ظهر ذلك الأثر أيضا في كتب تاريخ الأدب: فتناولها بعضنا بالدرس والتمحيص والشرح، مما عرف في كتب التاريخ العام، وقسمها إلى عصور تتميز بفوارقها الآداب، وترجم لأصحابها ورتب آثارهم ونقد خصائصها النادرة والمتعددة والمختلفة على أسس المذاهب الحديثة، ووازن بينهم وأحل كلا منهم في مكانه اللائق، فانتهى إلى أدب واضح غي مبتكر يقوم على أحدث نهج علمي فعل: جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية، والدكتور أحمد أمين في ضحى الإسلام، والدكتور فؤاد افرام البستاني في الروائع، وقد نيفت على ٤٠ جزءاً. لا كما كان الحال في بعض انتقادات عرض لها ابن سلام، والعسكري، وابن قتيبة، وعبد القادر، في كتبهم. ومن حذا حذوهم من جمهرة مؤرخي الأدب، ولا كهؤلاء الذين يتباهون بالأخذ عن المستشرقين والاستشهاد بهم ثم تنقصهم عدهم في الدراسة والتصنيف، فضربوا بمؤلفاتهم مثلا زريا على العبث والضحالة والضيق، أو الذين ينتحلون طرائقهم وكتبهم ويغفلون ذكرهم، أو الذين يأخذون بشطر من اكتشافاتهم وينكرون عليهم شطره الآخر، أو يدعون إلى الأخذ بمنهجهم من دون علمهم لأن فهمهم للعربية قاصر وأحكامهم في ثقافتهم يغلب عليها التعصب الديني والسياسي، ولا كأولئك الذين تخرجوا عليهم وعرفوا فضلهم، ولكن الشجاعة خانتهم في الدفاع عنهم. وأشبه بهم هؤلاء الذين ساروا وراء نفر منهم سيراً جعلهم ينكرون علينا من تراثنا