وعكا. وعرفت فينيقيا من الغزاة: الفراعنة (على فترات بين ٢٩٠٠ و ١٣٠٠) والآشوريين (٧٧٤ - ٦٣٥) والكلدانيين (٥٨٦ - ٥٣٨) والفرس (٥٣٨ - ٣٣٢) فاستعانوا بأسطولها على فتح مصر والحبشة (٥٢٥) ومكنهم من شواطئ آسيا الصغرى، وفي حملتهم على اليونان (٤٨٠) تم عرفت الإسكندر الأكبر وخلفاءه (٣٣٢) والرومان (١٨٩) والبيزنطيين (٣٩٥ م) حتى قضى عليهم الفتح الإسلامي (٦٣٥).
إلا أن الشاطئ اللبناني، كان أضيق من أن يتسع لتاريخ الفينيقيين، فانطلقت قوافلهم بصناعاتهم من الصباغة والحياكة والزجاج والسفن، وبسلع أفريقيا والهند واليمن والصين إلى بلاد العرب والعراق والحبشة، انطلاق سفنهم في البحار يستكشفون مسالكها بالنجم القطبي - الذي أطلق عليه اليونان النجم الفينيقي - ويحتكرونها، فبلغوا شواطئ بحر إيجه - حيث ذكرهم هوميروس في إلياذته - والبحر الأسود. وأقاموا عليها حاميات لاستخراج ما في مناجمها حتى، أجلاهم قدماء اليونان عنها ما خلا ثلاث جزر منيعة هي: ثيرة، وميلوس، وناموس.
عندئذ تحول الفينيقيون إلى إقامة إمبراطورية من إسبانيا وغربي صقلية وشمالي أفريقيا: فبلغوا إسبانيا (١١٠٠ ق. م) وأنشأوا فيها مدينة ترشيش - ومعناها بالفينيقية منجم - ومالقه - ومعناها مصنع صغير - وشادوا هيكلين عظيمين فيها (٨٠٠) وتم لهم، مع القرطاجنيين فتح اسبانيا (٥٠٠).
وشيد الفينيقيون في ليبيا - وهو اسم لوالدة آجينورملك فينيقيا - صبراته، ولبدة الكبرى، وأويا (١٠٠٠) ثم توسعوا فيها وجعلوها طرابلس القديمة (٩٠٠) وأقاموا في تونس أونيكا (١٠٠٠) وفي الجزائر مرفأ شرشال، وفي جنوب طنجة مصرفاً التمويل تجارتهم.
واستولى الفينيقيون على غربي صقلية (٨٠٠) ثم على سردينيا، وكورسيكا، ومالطه، وقبرص. وأنشأوا المستودعات والمصارف والمكاتب في مرسيليا، ورومه، وكولونيا، وبريطانيا، ومصر، وأورشليم، وتدمر. فأثرت صور (٥٢٠) ثراء جعل الفضة تتكدس في أسواقها تكدس التراب، والذهب كوحل الطرقات، ورفع بيوتها طبقات أعلى من بيوت رومه، على حد قول سترابو، وحافظ، مع بسالة أهلها، على استقلالها حتى قضى عليها الإسكندر الأكبر.