من العمق والشمول والطرافة وأصبح جزءاً لا ينفصل عن تراثنا، ولا تؤرخ الحضارة الإنسانية إلا به- وقد عرف الغرب منه أصالتنا فيها - كما لا تصلنا بالعصر الحديث علوماً وآداباً وفنوناً، صلة أشد من لغات الغرب.
فإن نحن طوينا هذا الجهد تنكرنا للأمانة العلمية في البحث عن الحقيقة الموضوعية - مع أن نشره لا يتضمن الموافقة عليه والرضى عنه جميعه - فكأننا نأبى أن يكون تراثنا جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية التي هي ملك لنا كما هي ملك لهم. وإن طي نشاطهم يبعث على الريبة وسوء الظن والقطيعة، في حين أن الحضارة الإنسانية لا تقوم لها قائمة إلا على التعاون في نشر ذخائر كل أمة في العلوم والفنون والآداب، على تنوعها وأوجه الشبه والاختلاف فيها تعاوناً يقصر المسافات النفسية بينها تقصير المخترعات للمسافات الجغرافية، لخلق تضامن وجداني فكري خلقي، في ائتلاف صادق شامل مستمر.
وإذا كنا لا نفرق بين أن ينجلى لنا تراثنا ويحتل مكانته من الحضارة الإنسانية على أيدي العرب أو بالتعاون مع المستشرقين، فقد اعترفنا لهؤلاء بفضلهم، ونشرناه في الناس، وهو بعض حقهم علينا.
إلا أن تحقيق تراجم المستشرقين: منذ مئات السنين، في شتى البلدان، وبسائر اللغات، وذكر مكان وتاريخ آثارهم: المحققة والمترجمة والمصنفة، وإحصاء وسائل نشرها: في المعاهد والمكتبات والمتاحف والمطابع والمجلات والمجموعات والمؤتمرات، ليس بالأمر اليسير الهين. إذ شغل المستشرقون بنا عن أنفسهم أكثر مما زعمه ديجا القائل:«والمستشرقون قعدوا عن تصنيف تاريخ الاستشراق لشدة تنافسهم فيما بينهم وترصد بعضهم البعض الآخر»(١) وتركوا مصادر الاستشراق موزعة على المجلات والحوليات وفهارس المكتبات والمنوعات - عند وفاة أحدهم أو سرد مصنفاتهم أو تكريم أعلامهم - مبعثرة بين كتب التراجم الخاصة بالشرق ودوائر المعارف العامة وهي غير مستكملة لا تذكر سوى أعلام من الأموات في بضعة أسطر، وبين كراسات الوفيات لنفر من المشهورين. ولقد ضم أعلامهم في كتب مستقلة، ولكنها على نفاستها لم تتناول الاستشراق إلا من زاوية: فبعضها صنف في