الإسلام دينا والعربية لغة فأرادت التمكين لهما بما لديها من ثقافة، وبعضها طمعت في عطايا العظماء فنقلت وصنفت. وقد تجاوز فضل الإسلام في إظهار العبقريات المنوعة لأصول متعددة من الشرق الأدنى إلى آسيا وأفريقيا وبعض أوربا والشرق الأقصى فمن علماء اللغة: سيبويه، ومن الشعراء: أبو نواس، وابن الرومي، ومن الأطباء: على الطبري، والرازي، ومن العلماء: الجاحظ، والبيروني، ومن الفلاسفة: الفارابي، وابن سيناء، وأول علماء الاجتماع: ابن خلدون، وأعظم الجغرافيين ياقوت الحموي وغيرهم كثير. على حين انحصرت الترجمة من الفارسية بابن المقفع (المتوفى ٧٥٧) ناقل تاريخ الفرس وكليلة ودمنة - ولما فقد أصله السنسكريتي وترجمته بالفهلوية أصبحت الترجمة العربية أصلاً ترجم إلى نحو أربعين لغة - وابنه محمد مترجم أربعة كتب يونانية الأصل من الفارسية إلى العربية وآل نوبخت وبعض المتشبهين بهم فما زاد ما نقلوه على عشرين كتابة في التاريخ والسير والأدب والحكم.
وهكذا نقل النقلة عن اليونانية والسريانية والهندية والفارسية، أمهات كتب الطب والفلك والرياضة والكيميا والجغرافيا والأدب - ما خلا الأدب اليوناني الذي اكتفي منه تاوفيل الرهاوي (المتوفى ٧٨٥) منجم الخليفة المهدي، وكان على مذهب موارنة جبل لبنان بترجمة كتاب هوميروس على فتح أيلون إلى السريانية بغاية ما يكون من الفصاحة، على حد قول ابن العبري، كما ترجع من السريانية كتاباً الجالينوس وألف كتاب الكنوز، ثم نظم سليمان البستاني إلياذة هوميروس شعراً بالعربية في ١١ ألف بيت (القاهرة ١٩٠٤) - والموسيقي وأساليب الحياة المتمدينة، ولم تكن حاجة الدولة إلى الفلسفة والمنطق وعلم الكلام والتصوف بأقل من حاجتها إلى الطب وغيره من العلوم، فمنذ الخلاف على الخلافة والتحكيم بين معاوية وعلى، وقيام الفرق والتفاف الأعاجم حولها طفق النقلة ينقلون إلى العربية مذاهب الهنود والفرس واليهود والنصارى مما جعل ازدهار الثقافة الإسلامية تطوراً مركباً لعناصر وفيرة من أصول متعددة، كتأثير الزردشية واليهودية في تعريف الحشر والحساب، واعتناق مذهب الأفلاطونية الحديثة، والتوفيق بين الدين والفلسفة، ونظريات النصرانية في صفات الله والوحي والعقل وتصور المهدي المنتظر ومصير مرتكب