وعمل كل منهم، حيث نزل، بمهنته: فقدم اللواء دمبوفسكي مشروعاً بتنظيم الجيش المصري إلى إبراهيم باشا، وأنشأ المقدم شيدت تحصينات جبل الطور، واشترك الجنود البولونيون في رد الإنجليز عن عكا. ودخل عدد وفير من البولونيين - بعد قتالهم في ثورة المجر ١٨٩٤ - في خدمة تركيا فاعتنقوا الإسلام وتسموا بأسماء تركية من أمثال: بيم- مراد باشا، وبيستر زينوفسكي- أرسلان باشا، وايلنسكي- جلال الدين باشا. وانضم آخرون، خلال حرب القرم، إلى الجيش التركي وألفوا منهم وحدات أطلقوا عليها قوزاق السلطان، بقيادة تشايكوفسكي- صديق باشا. وانخرط غيرهم في الجيش الفارسي كاللواء بوروفسكي. أما الأطباء والمهندسون والأساتذة والخبراء الذين عملوا في خدمة مصر وتركيا وفارس والعراق وغيرها فلا سبيل إلى حصرهم. وفي خلال حرب (١٩٣٩ - ١٩٤٥) لجأ كثيرون من البولونيين إلى إيران وتركيا والعراق وسوريا ولبنان- حيث تزوجت بعض فتياتهم من فتيانه- ومصر فلقوا من كرم الوفادة ما زاد صلات بولونيا بالشرق الأوسط توثقاً واستمراراً.
أما الثقافة العربية فقد عرفتها بولونيا بترجمة مصنفات أعلامها إلى اللاتينية، من أمثال: ابن سينا، وابن رشد، والخازني، وغيرهم. فأرست نهضتها على أساس تدريسها في جامعاتها. ثم تأثرت بالاستشراق في أوربا الغربية، فاقتنى الملاك ستانيسلاس أو جيست جميع المعاجم وكتب قواعد اللغات الشرقية التي نشرت في عهده. وعلى العلماء بالمخطوطات والمجموعات والآثار الشرقية. وأخذ الأشراف باللغات السامية فصنف الأمير آدام تسارتويسكي بعد رحيله إلى الشرق، معجم المفردات البولونية من أصول شرقية. وانتشرت في بولونيا ترجمات للتراث الشرقي، معظمها بلغات أوربية غير البولونية: من المتنبي والحريري وحافظ وجلال الدين الرومي، وألف ليلة وليلة. ومصنفات عليها الطابع الشرقي: كالرسائل الفارسية، ومحدد، وبايزيد، فتأثر بها كبار أدباء بولونيا تأثراً عميقاً واضحاً، فترجم الشاعر كرازيكي معلقة لبيد، وزالوزكي أشعار كرازيكي إلى العربية، وأمثال لقمان إلى البولونية (١٨٦٠) وترجم يسكيفتش قصائد للمتنبي والشنفرى، ودرس سلوفاكي اللغات الشرقية. كما نقلت بعض قصائد ميسكيفتش إلى الفارسية ومصنفات سنكيفتش إلى العربية والتركية.