للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرف عليهم، فقال السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)[يس: ٥٨] قال: فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم، فإذا احتجب عنهم بقي نوره وبركته عليهم وفي ديارهم" (١).

[فصل]

قوله: "أشرف عليهم أي: اطلع، كما يقال: فلان: مشرف عليك أي مطلع عليك من مكان عالٍ، والله تعالى لا يوصف بالمكان من جهة الحلول والتمكن، وإنما يوصف من جهة العلو والرفعة (٢)، فعبر عن اطلاعه عليهم ونظرهم إليه بالإشراف، ولما كان سبحانه قائلًا متكلمًا، وكان الكلام له صفة (٣) في ذاته لم يزل ولا يزال، فهو يسلم عليهم سلامًا هو قول منه، كما قال: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)﴾.

قوله: "فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة"، أي لهوا عنه بلذة النظر إلى وجهه الكريم، وذلك أن ما دون الله تعالى لا يقاوم تجليه، ولولا أن الله تعالى يثبتهم ويبقيهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى له.

وقوله: "حتى يحتجب عنهم"، يجوز أن يكون معناه: حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه، وإلى حظوظ أنفسهم وشهواتها التي سهوا عنها فانتفعوا بنعيم الجنة الذي وعده لهم، وينعموا بشهوات النفوس التي أعدت لهم، وليس ذلك إن شاء الله على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو بمعنى الغيبة والاستتار، فيكونوا له ناسين، وعن شهوده محجوبين، وإلى نعيم الجنة ساكنين، ولكنه يردهم إلى ما نسوه، ولا يحجبهم عما شاهدوه، حجبة غيبة واستتار، يدل على ذلك قوله: بقي نوره وبركته عليهم وفي ديارهم وكيف يحجبهم عنه وهو ينعت


(١) رواه ابن ماجه في سننه ١/ ٦٥، ح ١٨٤، ضعفه الألباني، انظر: ضعيف سنن ابن ماجه ص (١٤)، ح ٣٣.
(٢) تم التعليق على هذه المسألة ص (٢٢٧).
(٣) في (ع): صفة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>