للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرافي في المعقولات، فلما دخلاها ارتادا مكانًا ينزلان فيه، فدُلَّا على مكان، فلما أتياه قال لهما إنسان: يا مولانا بالله لا تدخلاه؛ فإنه معمور بالجان، فقال الشيخ شهاب الدين للغلمان: ادخلوا ودعونا من هذا الهذيان، ثم إنهما توجها إلى جامع البلد إلى أن يفرش الغلمان المكان، ثم عادا، فلما استقرا بالمكان سمعا صوت تَيْسٍ من المعز يصيح داخل الخرستان (١)، وكرر ذلك الصياح فامتقع لون القرافي وخارت قواه، ثم إن الباب فُتِحَ وخرج منه رَأْسُ تَيْسِ، جعل يصيح، فذاب القرافي خوفًا، وأما القرطبي فإنه قام إلى الرأس وأمسك بقرنيه وجعل يتعوذ ويبسمل ويقرأ: ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أم عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] ولم يزل كذلك حتى دخل الغلام ومعه حبل وسكين، وقال: يا سيدي تنح عنه، وجاء إليه وأخرجه وأنكاه وذبحه، فقال له: ما هذا؟ فقال: لما توجهتما (٢) رأيته فاسترخصته واشتريته لنذبحه ونأكله وأودعته هذا الخرستان، فأفاق القرافي في حاله وقال: يا أخي لا جزاك الله خيرًا ما كنت قلت لنا وإلا طارت عقولنا".

[هجرة المؤلف إلى مصر، ووفاته فيها]

لما ضاق الحال بأهل قرطبة من جراء غزو النصارى الإسبان لبلدهم هجرها الكثير من أهلها حتى أهل العلم، وكان المؤلف من بين أولئك المهاجرين، فكانت هجرته إلى مصر.

لم تذكر لنا مصادر الترجمة متى هاجر المؤلف ولماذا اختار مصر. هذه أسئلة تدور في الخاطر، حاولت أن أجد لها أجوبة من وقائع الأحداث التي وقفت عليها لسد بعض النقص في جوانب من حياة المؤلف.

- أما تاريخ هجرته من قرطبة فيحتمل أن يكون بعد سقوط قرطبة على أيدي النصارى الإسبان في سنة ٦٣٣ هـ مباشرة أو بعد ذلك بيسير، لكن من


(١) لم أقف على من ذكر معناه، لكن يبدو من السياق أنه ملحق من ملحقات تلك الدار.
(٢) أي إلى جامع البلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>