للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكلمت مع بعض أصحابنا القضاة ممن له علم وبصر، ومعنا جماعة من أهل النظر فيما ذكر أبو عمر بن عبد البر من قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)[طه: ٥] فذكرت له الحديث، فما كان إلا أن بادر إلى عدم صحته ولعن رواته، وبين أيدينا رطب نأكله، فقلت له: الحديث صحيح خرجه ابن ماجه في السنن (١)، ولا تُردُّ الأخبار بمثل هذا القول، بل تُتأول وتحمل على ما يلي من التأويل (٢)، والذين رووها هم الذين رووا لنا الصلوات الخمس، وأحكامها، فإن صدقوا هنا صدقوا هناك، وإن كذبوا هنا كذبوا هناك، ولا تحصل الثقة بأحد منهم فيما يرويه".

[نتيجة]

فمن النقول السابقة ظهر لي ما يمكن أن أفسر به موقف المؤلف من معتقد السلف الصالح في باب الأسماء والصفات، وموقفه من مؤولة نصوص الصفات في آن واحد.

فكون القرطبي يورد نصوصًا للسلف في باب الأسماء والصفات في كتبه تدل على معرفته التامة بمذهبهم، بل نجده يدافع عن السلف ومنهجهم، ويذم غلاة المتكلمين، وفي نصوص أخرى يؤول نصوص الصفات، بل يعدّ مَن نظر في اصطلاحات المتكلمين واستعملها في الدفاع عن الدين منزلته قريبة من منزلة النبيِّين، فذلك يرجع في ظني والله أعلم لأسباب خارجية قامت في نفس المؤلف:

- فإيراده لأقوال السلف المتقدمين في باب الأسماء والصفات يرجع لما يُكنّه لهم من إجلالٍ وتقديرٍ؛ لكونهم خيار هذه الأمة، ورواة أحاديث الصلاة وأحكامها، وأن بقية فروع الشريعة جاءت عن طريقهم، كما صرّح بذلك قريبًا.

- وأما ما جاء عنه من تأويل وقبول لمنهج واصطلاحات المتكلمين فيرجع


(١) انظر: تخريج الحديث وقول ابن عبد البر المشار إليه، والرد على ما ذهب إليه المؤلف في موضعه ص (٢٢٦).
(٢) تم التعليق على مذهب التأويل الذي نصح به غيره في موضعه ص (٢٢٦ - ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>