للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

واختلف العلماء أيضًا هل وقع من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين بعد النبوة صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاقبون عليها، ويشفقون على أنفسهم منها أم لا بعد اتفاقهم (١) أنهم معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي تزري بفاعلها، وتحط منزلته، وتسقط مروءته إجماعًا عند القاضي أبي بكر (٢).

"وعند الأستاذ أبي بكر أن ذلك مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة: أن ذلك مقتضى دليل العقل (٣) على أصولهم" (٤).

فقال الطبري (٥) وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين: تقع الصغائر منهم خلافًا للرافضة حيث قالوا: إنهم معصومون من جميع ذلك كله واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل، وثبت من تنصلهم (٦) من ذلك في الحديث، وهذا ظاهر لا خفاء به.

وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي أنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها (٧)، لأنا أُمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرًا مطلقًا من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة و (٨) الحظر و (٩) المعصية، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية لاسيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين.


(١) في (ع) (ظ): اتفاقهم على.
(٢) ابن الباقلاني.
(٣) في (الأصل): الفعل، والتصويب من (ع، ظ).
(٤) هذا نص كلام أبي العباس القرطبي في كتابه المفهم ١/ ٤٣٤.
(٥) لم أهتد إلى موضع قوله فيما وقفت عليه من كتبه.
(٦) في (ع، ظ): من مثلهم، والأصل متوافق مع (م).
(٧) انظر: نيل الأوطار للشوكاني ٢/ ٣٣٣.
(٨) في (ع، ظ) أو.
(٩) في (ع، ظ): أو.

<<  <  ج: ص:  >  >>