للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول الحالة السياسية في عصر المؤلف وأثرها عليه]

وُلِدَ المؤلفُ رحمه الله تعالى وعاش بداية حياته في مدينة قُرْطُبة (١) في عصر دولة الموحدين: التي كانت تحكم بلاد المغرب والأندلس في المُدةِ ما بين سنة خمس عشرة وخمسمائة إلى سنة ثمان وستين وستمائة (٥١٥ هـ إلى ٦٦٨ هـ)، والتي أسسها: محمد بن عبد الله بن تومرت المغربي (٢)، وكانت


(١) قُرْطُبة بضم الأول وسكون الثاني وضم الطاء المهملة ثم الباء الموحدة، كلمة فيما يبدو أعجمية، ففي نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد المقري ١/ ٤٥٨: إن قرطبة بالظاء المعجمة، ومعناه: أجر ساكنها، ثم عُرِّبت بالطاء. ا. هـ، ولكلمة قرطبة حظٌ في العربية من المعاني، فالقُرْطُبي: السيف، وقَرْطَبَهُ: صرعه على قفاه وطعنه، والقَرْطَبة: العَدْو الشديد، انظر: لسان العرب لابن منظور ١/ ٥٥٩.
فقرطبة: مدينة عظيمة بالأندلس، تتوسط بلادها، وكانت سريرًا لملكها، وبها كانت ملوك بني أمية ومعدن الفضلاء، وتقع المدينة على سفح جبل يسمى جبل العروس من جبال "سيرامورنيا" أو الجبال السوداء، كما تحتل سهلًا فسيحًا بين هذه الجبال والوادي الكبير، وتمتد عمارتها على الضفة اليمنى للوادي. وطول قرطبة ثلاثة أميال في عرض ميل. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ٤/ ٣٢٤؛ ونفح الطيب ١/ ١٥٤، ٤٤٥، ٤٥٨؛ وتاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس ص (٢٩٢) للدكتور السيد عبد العزيز سالم.
(٢) قال ابن كثير: "كان ابتداء أمر هذا الرجل أنه قدم في حداثة سنه من بلاد المغرب، فسكن النظامية ببغداد، واشتغل بالعلم، فحصَّل منه جانبًا جيدًا: من الفروع والأصول على الغزالي وغيره، وكان يُظْهر التعبدَ، والزهدَ والورعَ، وربما كان ينكر على الغزالي حُسْنَ ملابسه، ولا سيما لما لبس خُلَعَ التدريس بالنظامية أظهر الإنكار عليه جدًّا وكذلك على غيره، ثم إنه حج وعاد إلى بلاده، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقرئ الناس القرآن ويشغلهم في الفقه، فطار ذكره في الناس، وارتفع أمره وقويت شوكته، وتَسَمّى بالمهدي، وكوّن جيشًا سماه جيش الموحدين، وألف كتابًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>