للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل"، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله قد كان يرعى (١) بالبادية.

[فصل]

هذه الموتة للعصاة موتة حقيقية؛ لأنه (٢) أكدها بالمصدر وذلك تكريمًا لهم حتى لا يحسوا ألم العذاب بعد الاحتراق بخلاف الحي الذي هو من أهلها ومخلد فيها: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦].

وقد قيل: يجوز أن يكون أماتهم (٣) عبارة عن تغيبه إياهم عن آلامها بالنوم ولا يكون ذلك موتًا على الحقيقة، فإن النوم قد يغيب عن كثير من الآلام والملاذ، وقد سماه الله تعالى موتًا (٤)، فقال: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢]، فهو وفاة وليس بالموت على الحقيقة الذي هو خروج الروح من البدن، فكذلك الصعقة، وقد عبر الله عنها بالموت في قوله تعالى: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨] وأخبر عن موسى أنه خرّ صعقًا، ولم يكن ذلك موتًا على الحقيقة غير أنه لما غيب عن أحوال المشاهدة من الملاذ والآلام جاز أن يكون (٥) موتًا، فكذلك يجوز أن يكون أماتهم غيبهم عن الآلام وهم أحياء بلطيفة يحدثها الله فيهم كما غيب النسوة (٦) اللاتي قطعن أيديهن بشاهد ظهر لهن فغيبن فيه عن آلامهن، والتأويل الأول أصح لما ذكرناه من تأكيده بالمصدر ولقوله في نفس الحديث: حتى إذا كانوا فحمًا فهم أموات على الحقيقة، كما أن أهلها أحياء على الحقيقة وليسوا بأموات.

فإن قيل: فما معنى إدخالهم النار وهم فيها غير عالمين؟


(١) في (ظ): (يرعى): ليست في (مسلم).
(٢) في (الأصل): لأنها، والتصويب من: (ع، ظ).
(٣) في (ع): إماتتهم.
(٤) في (ع، (ظ): وفاة.
(٥) في (ع، ظ): أن يسمى.
(٦) في (ع): كما غيب عن النسوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>