للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لغلي دماغه حتى يسيل من حرها، وإن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيًا على ركبتيه ويقول: نفسي نفسي (١).

[فصل]

قوله: اشتكت النار، شكواها بأن أكل بعضها بعضًا محمول على الحقيقة لا على المجاز؛ إذ لا إحالة في ذلك، وليس من شرط الكلام عند أهل السنة في القيام بالجسم (٢) إلا الحياة، فأما البينة (٣) واللسان (٤) [والبَلَهُ] (٥) فليس من شرطه وليس يحتاج في الشكوى إلى أكثر من وجود الكلام.

وأما الاحتجاج في قوله : "احتجت النار والجنة"؛ فلا بد فيه من العلم والتفطن للحجة.

وقيل: إن ذلك مجاز، عبر عنه بلسان الحال كما قال عنترة (٦):

فَازْوَرَّ من وقع القنا بلبانه … وشكا إلي بعبرة وتحمحم

وقال آخر:


(١) ذكره ابن أبي عاصم في الزهد ١/ ١٢١؛ وأبو نعيم في الحلية ٥/ ٣٦٩.
(٢) بل أهل السنة يشترطون في الكلام أن يقوم بذات المتكلم - فالمتكلم قد يكون جسمًا كالمخلوق، وأما الخالق سبحانه فلا يستعمل في حقه لفظ الجسم نفيًا أو إثباتًا لعدم ورود الأدلة بذلك - فكل متكلم من الملائكة والبشر والجن وغيرهم فكلامهم قائم بأنفسهم، وأما ما ذكره المصنف فهو على شرط الجهمية والمعتزلة والكلابية فهم يقولون: ليس الله تعالى كلام قائم بذاته بل منفصل عنه، وأما أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح فيعتقدون في كلام الله تعالى أنه صفة ذات وفعل، فهو سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته كلامًا قائمًا بذاته ، والقرآن الكريم من كلامه غير مخلوق، منه بدا وإليه يعود. انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ٦/ ٢١٩ بتصرف.
(٣) كذا في (الأصل، ع، ظ)، وفي (م): الهيئة، ولعل ما في (م) هو الصواب؛ فالهيئة قد يراد منها الجسم والشكل الخارجي، فكأنه يقول: ليس من شرط التكلم أن يكون هناك جسم ولسان ونحو ذلك، والله أعلم.
(٤) في (الأصل): باللسان، والتصويب من (ع، ظ، م).
(٥) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ، م)، والبله: الغفلة عن الشر، انظر لسان العرب ١٣/ ٤٧٧.
(٦) في معلقته، انظر: شرح القصائد السبع الطوال لأبي جعفر النحاس ص (٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>