للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[فصل]

قال أبو سليمان الخطابي (١): وقد اختلف الناس في ابن صياد (٢) اختلافًا شديدًا (٣)، وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يَقَارُّ رسول الله من يدعي النبوة كاذبًا ويتركه بالمدينة يساكنه في داره، ويجاوره فيها؟ وما وجه امتحانه إياه بما خبأه له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك: "اخسأ فلن تعدو قدرك".

قال أبو سليمان (٤): والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت بعد أيام مهادنة رسول الله اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه (٥) المدينة كتب بينه وبينهم كتابًا صالحهم فيه على أن لا يهاجروا و [أن] (٦) يتركوا على أمرهم (٧)، وكان ابن صياد منهم أو دخيل في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله خبره وما يدعيه من الكهانة وما يتعاطاه من الغيب فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره ومخبر شأنه، فلما كلمه علم أنه مبطل، وأنه من جملة السحرة والكهنة، أو ممن يأتيه رئي من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع: منه قوله (٨): الدخ، زَبَرَهُ (٩) وقال: "اخسأ فلن تعدو قدرك"، يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي السماوي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب، ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب في (١٠) بعضها ويخطي في بعض، وذلك معنى قوله: "يأتيني (١١) صادق وكاذب"، فقال له عند ذلك: "خلط عليك".


(١) في معالم السنن له ٤/ ٣٢٢.
(٢) في (ظ): في أمر ابن صياد.
(٣) في (ظ): اختلافًا كبيرًا.
(٤) في (ظ): أبو سليمان الخطابي، وهو في معالم السنن ٤/ ٣٢٣.
(٥) في (ع) مقدمهم، وما أثبته من (ظ، ومعالم السنن).
(٦) ما بين المعقوفتين من (ظ، ومعالم السنن).
(٧) في (ظ): على ما أمرهم.
(٨) في (ظ): قول.
(٩) الزبْرُ: الزجر، يقال: زبره إذا انتهره، انظر: الصحاح للجوهري ٢/ ٦٦٧.
(١٠) (في): ليست في (ظ).
(١١) (يأتيني): ليست في (ظ).

<<  <  ج: ص:  >  >>