للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الذين يصنعون القَرْمَدُ (١) للسُقُف"، فالذي يظهر أن القرطبي كان يتكسب من عمله هذا؛ لأن الذين يصنعون تلك الحجارة للسقف ما يصنعونها في العادة إلا لبيعها.

كذلك لما ذكر المؤلف مقتل والده بيّن لنا أن الناس كانوا في حقولهم، وخص الأرض بالذكر، فقد يفهم من ذلك أن غالب أهل قرطبة كانوا يعملون في الزراعة، وقد يكون والد المؤلف من أولئك الفلاحين.

وعلى العموم، فالذي يظهر أن القرطبي نشأ في كنف أسرة فقيرة أو متوسطة الحال.

وأما عن الناحية العلمية لأسرة المؤلف: فلم أقف على نصٍّ يدل على أن المؤلف نشأ في أسرة علمية، أو تُعنى بالعلم.

[بعض صفات المؤلف]

١ - زهده وتواضعه: قال ابن فرحون المالكي عن المؤلف: "كان من عباد الله الصالحين (٢)، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف".

وقال عنه أيضًا: "وكان قد اطرح التكلف: يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية" (٣).

وقد ألف القرطبي كتابًا في الزهد سماه: (الزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكسب والصناعة)، وقد كان زهد المصنف عن علم وبصيرة، وقد


(١) القَرْمَد: ضرب من الحجارة يوقد عليها، فإذا نضج طُلي به. الصحاح ٢/ ٥٢٤.
(٢) تُحْمل عبارة ابن فرحون على تقدير محذوف: (هكذا أحسبه، أو أظنه)؛ لأن الحكم بالصلاح القطعي لا يعلمه إلا الله تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾، فالله تعالى لا يشاركه أحدٌ من خلقه في علم ما بالقلوب أو تقواه حتى يحمل اسم التفضيل على بابه، وإنما لنا الحكم بما ظهر من حال الشخص.
(٣) انظر: الديباج المذهب ٢/ ٣١٧ - ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>