للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يشنِّع على الصوفية الذين لم يفهموا الزهد على المعنى الصحيح، فقد جاء عنه في تفسيره (١) ما نصه: "فإنه لم ينقل عن النبي أنه امتنع من طعام لأجل طيبه قط، بل كان يأكل الحلوى والعسل والبطيخ والرطب، وإنما يكره التكلف لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة، والله تعالى أعلم.

قلت (٢): وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات، واحتج بقول عمر : "إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر" (٣)، والجواب: أن هذا من عمر قول خُرِّج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا والمداومة على الشهوات، وشفاء النفس من اللذات ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا؛ ولذلك كان يكتب عمر إلى عماله إياكم والتنعم وزي أهل العجم واخشوشنوا، ولم يُردْ تحريمَ شيء أحلّه الله، ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه، وقول الله ﷿ أولى ما امتثل واعتمد عليه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وقد مضى في المائدة (٤) الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام وهذه الآية ترد عليه وغيرها والحمد لله".

٢ - شجاعته وثبات جنانه: جاء في كتاب الوافي بالوفيات للصفدي (٥) ما يلي: "ترافق القرطبي المفسر، والشيخ شهاب الدين القرافي (٦) في السفر إلى الفيوم (٧)، وكلٌّ منهما شيخ فنه في عصره: القرطبي في التفسير والحديث،


(١) ٧/ ١٢٧ - ١٢٨ رقم الفقرة ١٩٩.
(٢) ما زال القول للقرطبي.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٩٣٥، ح ١٦٧٣؛ وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٥/ ١٤١، ح ٢٤٥٣١.
(٤) أي في تفسير سورة المائدة من تفسير المصنف الجامع لأحكام القرآن ٦/ ١٦٩ فقرة رقم ٢٦٢.
(٥) ٢/ ١٢٢ - ١٢٣.
(٦) أحمد بن إدريس، أبو العباس شهاب الدين القرافي المالكي، برع في الفقه، والأصول، والعقليات. له مصنفات منها: شرح محصول الرازي، وكتاب التنقيح في أصول الفقه، انظر: الديباج لابن فرحون ١/ ٦٢.
(٧) مدينة مصرية تقع إلى الجنوب الغربي من القاهرة، على الضفة الغربية لنهر النيل عند بحيرة قارون. موسوعة المدن العربية والإسلامية للدكتور يحيى الشامي ص (٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>