للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]. و ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)[المدثر: ٣٨]، ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وهذا يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب [وقرئ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ (١) الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ وعلى هذه القراءة يكون المعنى: أنها تصيب الظالم خاصة، وهي قراءة علي وزيد بن ثابت وأبي وابن مسعود] (٢).

فالجواب (٣): أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه أن يغيره [إما بيده فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبه قد أدّى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك. روي الأئمة (٤) عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

وروي عن بعض الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكرًا لا يستطيع النكير فليقل ثلاث مرات: اللهم هذا منكر لا أرضاه، فإذا قال ذلك فقد أدّى ما عليه] (٥)، فأما إذا سُكِت عليه فكلهم عاصٍ هذا بفعله وهذا برضاه [كما ذكرنا] (٦)، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة.

دليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠].

فأما إذا كره الصالحون ما صنع المفسدون وأخلصوا كراهيتهم لله تعالى


(١) قرأ بها علي وزيد بن ثابت، والربيع بن أنس وأبو العالية، انظر: كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لأبي الفتح عثمان بن جني ١، ٢/ ٧٧، دار سزكن للطباعة، ط. الثانية لسنة ١٤٠٦ هـ.
(٢) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ)
(٣) في (ع، ظ): والجواب.
(٤) الترمذي في جامعه ٤/ ٤٦٩، ح ٢١٧٢؛ وأبو داود في سننه ١/ ٢٩٦، ح ١١٤٠؛ والنسائي في المجتبى ٨/ ١١١، ح ٥٠٠٨؛ وابن ماجه في سننه ١/ ٤٠٦، ح ١٢٧٥.
(٥) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).
(٦) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).

<<  <  ج: ص:  >  >>