للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمر أن يعرض عليه ماؤه مع مياه كثيرة لمرضى وأصحاء (١)، فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قارورة الرشيد فقال: قولوا لصاحب هذا الماء يوصي فإنه قد انحلت قواه، وتداعت بنيته (٢)، ولما استعرض باقي المياه أقيم فذهب فيئس الرشيد من نفسه، وأنشد:

إن الطبيب بطبه ودوائه … لا يستطيع دفاع نَحْبٍ قد أتى

ما للطبيب يموت بالداء الذي … قد كان أبرأ مثله فيما مضى

وبلغه أن الناس أرجفوا بموته، فاستدعى حمارًا وأمر فَحُمِلَ عليه فاسترخت فخذاه فقال: أنزلوني، صدق المرجفون، ودعا بأكفان فتخيَّر منها ما أعجبه، وأمر فشق له قبر أمام فراشه، ثم اطَّلع فيه فقال: ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه (٣).

فما ظنك رحمك الله بنازل ينزل بك، فيُذهب رونقك وبهاءك، ويغير منظرك ورُوَاءك (٤)، ويمحو صورتك وجمالك، ويمنع من اجتماعك واتصالك، ويردك بعد النعمة والنضرة والسطوة والقدرة والنخوة والعزة إلى حالة (٥) يبادر فيها أحب الناس إليك، وأرحمهم بك، وأعطفهم عليك، فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة (٦)، أنحاؤها، مظلمة أرجاؤها، محكم عليك حجرها وصَيْدَانُها (٧)، فتحكم فيك (٨) هوامها وديدانها، ثم بعد ذلك تمكن منك الإعدام، وتختلط


= الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي، مات غازيًا سنة ١٩٣ هـ، تاريخ بغداد ١٤/ ٥؛ سير أعلام النبلاء ٩/ ٢٨٦.
(١) في (ظ): للمرضى والأصحاء.
(٢) في (ع): منيته.
(٣) ذكر هذا البلاغ أبو محمد في كتابه العاقبة ص (١٣٠).
(٤) في (الأصل): رؤياك، وفي (ع، ظ): رؤاك، وما أثبته من العاقبة، والرُوَاءُ بالضم: حسن المنظر، الصحاح للجوهري ٦/ ٢٣٤٩.
(٥) في (ظ): والعزة إلى حال.
(٦) (قريبة) ليست في (ظ).
(٧) الصَّيْدَانُ: بِرَامُ الحجارة، وبِرَامُ جمع بُرْمة وهي القدر مطلقًا، انظر: الصحاح ٢/ ٥٠٠، ولسان العرب ١٢/ ٤٥.
(٨) في (الأصل): عليك، وما أثبته من (ع، ظ، العاقبة).

<<  <  ج: ص:  >  >>