للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا: لما كان الحساب عليهم دون الخلق قال: "منكم" فصيّر (١) (الرسل) في مخرج اللفظ من الجميع؛ لأن الثقلين قد ضمهما عرصة القيامة، فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد في شأن الثواب والعقاب خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة؛ لأنه خلقهم (٢) للعبودية كما قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)[الذاريات: ٥٦]، والثواب والعقاب على العبودة (٣)، إلا أن الجن أصلهم من مارج من نار، وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا، ومنهم كافر ومؤمن (٤)، وعدونا إبليس عدو لهم، يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم، وفيهم أهواء شيعية، وقدرية، ومرجئة، وهو معنى قوله: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] (٥).

وقيل: إن الله تعالى لما قال: ﴿وَالَّذِينَ (٦) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٨٢] دخل في الجملة الجن والإنس، فثبت للجن من وعد الجَنّة (٧) بعموم الآية ما ثبت للإنس.

فإن قيل: فما الحكمة في ذكر الجن مع الإنس في الوعيد وترك إفراده الإنس عنهم في الوعد؟


(١) في (ع، ظ) فتصير.
(٢) في (ع): بدو خلقهم، وفي (ظ): لأن خلقهم.
(٣) في (ظ): العبودية.
(٤) في (ع، ظ): مؤمن وكافر.
(٥) قال الطبري في تفسيره ٢٩/ ١١٢: الطرائق جمع طريقة وهي: طريقة الرجل ومذهبه.
والقدد جمع قدة وهي: الروب والأجناس المختلفة، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .. ثم ذكر منهم ابن عباس ، وعكرمة وقتادة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾، أي على مذاهب شتى كما قال العلماء، منهم المسلم، والمشرك، والنصراني، والسني، والبدعي. فتاوى ابن تيمية ١١/ ٣٠٥.
(٦) في (الأصل، ع، ظ): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ والتصويب من المصحف، وربما اشتبهت بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣)﴾ [هود: ٢٣].
(٧) في (الأصل): فثبت للمجرمين وعيد الجنة، والكلام لا يستقيم به، وما أثبته من (ع)، وفي (ظ): فثبت وعد الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>