للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الآخر: أن الكافر يكون منه صلة الأرحام ومواساة الناس وعتق المملوك ونحوها مما لو كانت من المسلم لكانت قربة وطاعة، فمن كانت له مثل هذه الخيرات من الكفار فإنها تجمع وتوضع في ميزانه غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها ولم يخل أن (١) يكون الجانب الذي فيه الخيرات من ميزانه خفيفًا ولو لم يكن فيه إلا خير واحد أو حسنة واحدة لأحضرت ووزنت كما ذكرنا.

فإن قيل (٢): لو احتسبت خيراته حتى توزن لجوزي بها جزاء مثلها وليس له منها جزاء، لأن رسول الله سئل عن عبد الله بن جدعان وقيل له: إنه كان يقري الضيف ويصل الرحم ويعين في النوائب، فهل ينفعه ذلك؟ فقال: "لا؛ إنه (٣) لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" (٤). وسأله عدي بن حاتم عن أبيه مثل ذلك فقال: "إن أباك طلب أمرًا فأَدرَكَه (٥) يعني الذكر، فدل أن (٦) الخيرات من الكافر ليست بخيرات وأن وجودها وعدمها بمنزلة واحدة سواء.

والجواب: أن الله تعالى قال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ ولم يفصل بين نفس ونفس، فخيرات الكافر توزن ويجزى بها إلا أن الله حرم عليه الجنة فجزاه (٧) أن يخفف عنه بدليل حديث أبي طالب (٨) فإنه قيل: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه (٩) ذلك (١٠)؟ فقال: "نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح" (١١)، "ولولا


(١) في (ع): من أن.
(٢) في (ظ): فإن قيل لنا.
(٣) في (ع): لأنه.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ١٩٦، ح ٢١٤.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده ٤/ ٣٧٩، ح ١٩٤٠٥؛ والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له ١/ ٢٦٠.
(٦) في (ظ) على أن.
(٧) في (ظ): فجزاؤه.
(٨) ما فعله النبي مع عمه أبي طالب كان خصوصية للنبي ، ولم يفعله غيره من الصحابة والسلف الصالح.
(٩) في (ظ): ينفعه.
(١٠) إن ما حدث لأبي طالب خصوصية للنبي وليس أي كافر أو مشرك يعمل معروفًا في الدنيا يجازى به في الآخرة.
(١١) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ١٩٥، ح ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>