للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن مجاهد (١) والضحاك والأعمش (٢) أن الميزان هنا بمعنى العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل، كما تقول هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه (٣): أي يعادله ويساويه وإن لم يكن هناك وزن.

قلت: وهذا القول مجاز، وليس بشيء وإن كان سائغًا في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفة (٤) ولسان، وإن كل كفة منها طباق


= نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف، ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وإنه يأتي على صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك، وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق، وقيل: يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفه تسعة وتسعون سجلًا كل سجل مد البصر ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله الله فيقول: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم، فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان، قال رسول الله : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، رواه الترمذي بنحوٍ من هذا وصححه، وقيل: يوزن صاحب العمل كما في الحديث: "يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا"، وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي قال: أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحد، وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحًا فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم. اهـ. باختصار.
وقال ابن أبي العز بعد أن ذكر الأدلة: فثبت وزن الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات، فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبر الصادق من غير زيادة ولا نقصان. اهـ، انظر: شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٦١٣.
(١) ذكر الطبري قوله في تفسيره ٢٥/ ٢٠.
(٢) لم أقف على من ذكر قولي الضحاك والأعمش، وذكر ابن جرير هذا المعنى عن مجاهد وقتادة، انظر: تفسير ابن جرير ٢٥/ ٢٠.
(٣) في (الأصل، ظ): في رواية، تصويبه من (ع، وتفسير القرطبي ٧/ ١٠٧ فقرة رقم ١٦٥).
(٤) في (ظ): بكفتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>