للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدق من الشعر وأحد من السيف أن ذلك راجع إلى يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود (١) ذلك إلا الله تعالى لخفائها وغموضها، وقد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي دقيقًا، وضرب المثل له (٢) لدقة الشعر فهذا والله أعلم من هذا الباب.

ومعنى قوله: وأحد من السيف: أن الأمر الدقيق الذي يصعد من عند الله تعالى إلى الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نفاذ حد السيف ومضيه إسراعًا منهم إلى طاعته وامتثاله. ولا يكون له مرد، كما أن السيف إذا نفذ بحدةٍ وقوةٍ ضاربةٍ في شيء لم يكن له بعد ذلك مرد.

وإما أن يقال: إن الصراط نفسه أحد من السيف وأدق من الشعر، فذلك مدفوع بما وصف من أن الملائكة يقومون بجنبيه وأن فيه كلاليب وحسكًا، وأن من يمر عليه يقع على بطنه، ومنهم من يزل ثم يقوم، وفيه: أن من الذين يمرون عليه من يعطى النور بقدر موضع قدميه وفي ذلك إشارة: أن للمارين عليه مواطئ الأقدام، ومعلوم أن دقة الشعر لا يحتمل هذا كله.

وقال بعض الحفاظ (٣): إن هذه اللفظة ليست بثابتة.

قال المؤلف: ما ذكره هذا القائل مردود بما ذكرناه من الأخبار وأن الإيمان يجب بذلك، وأن القادر على إمساك الطير في الهوى (٤) قادر على أن يمسك عليه المؤمن (٥) فيجريه أو يمشيه ولا يُعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الاستحالة (٦)، ولا استحالة في ذلك للآثار الواردة في ذلك، وثباتها بنقل الأئمة العدول، ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠].


(١) في (ع): حد.
(٢) في (ع): وضرب المثل به.
(٣) لم أتعرف على القائل.
(٤) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب: الهواء.
(٥) في (الأصل): الموسر، وهو تصحيف، تصويبه من (ع، ظ).
(٦) هذا الكلام الأخير فيه نظر؛ لأن الحقيقة والمجاز من المصطلحات المحدثة، والاستحالة أمر نسبي ظني، فلا يبنى على ذلك نتائج، وإنما المعول على ظواهر النصوص مقيدةً بفهم السلف الصالح لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>