للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "حتى يضع فيها قدمه"، وفي رواية أخرى: "حتى يضع عليها قدمه"، وفي رواية أخرى: "رجله"، ولم يذكر فيها ولا عليها، فمعناه: عبارة عمن تأخر دخوله من النار من أهلها وهم جماعات كثيرة؛ لأن أهل النار يلقون فيها فوجًا فوجًا، كما قال الله تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الملك: ٨]، ويؤيده أيضًا قوله في الحديث: "لا يزال يلقى فيها"، فالخزنة تنتظر أولئك المتأخرين إذ قد علموهم بأسمائهم وأوصافهم، كما روي عن ابن مسعود أنه قال: "ما في النار بيت ولا سلسلة، ولا مقمع، ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه" (١)، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه [الذي قد عرف اسمه وصفته] (٢)، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قالت الخزنة: قط قط، أي حسبنا حسبنا، اكتفينا اكتفينا، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها، وتنطبق إذا لم يبق أحد ينتظر، فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم لا أن الله ﷿ جسم من الأجسام (٣)، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، والعرب تعبر عن جماعة الناس والجراد بالرجل، فتقول: جاءنا رِجْلُ من الجراد ورجلٌ من الناس أي جماعة منهم، والجمع أرجل، ويشهد لصحة هذا التأويل (٤) قوله في نفس الحديث: "ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله تعالى لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة"، وفي الحديث تأويلات أتينا عليها في الأسماء والصفات (٥) أشبهها ما ذكرناه والله أعلم.

وفي التنزيل: ﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢]، قال ابن عباس المعنى: منزل صدق.

وقال الطبري: معنى قدم صدق: عمل صالح (٦)، وقيل: هو السابقة


(١) ذكره بنحوه ابن كثير في تفسيره ٣/ ٥٤١.
(٢) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).
(٣) انظر: التعليق على ذلك ص (٨٣٠).
(٤) في (ع، ظ): ويشهد لهذا التأويل.
(٥) ٢/ ٥٦.
(٦) تفسير الطبري ١١/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>