للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، ولم يذكر (١) عملًا ولا شيئًا سوى الإيمان والتصديق للمرسلين (٢)؛ ذلك ليعلم (٣) أنه غني عن الإيمان البالغ، وتصديق المرسلين من غير سؤال آية أو تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جمع الموحدين في أعالي الدرجات وأرفع الغرفات وهذا محال، وقد قال تعالى (٤): ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان: ٧٥]، والصبر: بذل النفس والثبات له وقوفًا بين يديه بالقلوب عبودة، وهذه صفة المقربين، وقال في آية أخرى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧)[سبأ: ٣٧] فذكر شأن الغرفة [و] (٥) أنها لا تنال بالأموال والأولاد، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين لهم جزاء الضعف، وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة، وتعلق قلب به مطمئنًا في كل ما نابه وبجميع أموره وأحكامه، وإذا عمل عملًا صالحًا فلا يخالط (٦) بضده، وهو الفاسد، فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فاسد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دونه.

قلت: ذكره الترمذي الحكيم (٧) وهو واضح بين، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)[الإنسان: ٥]، وقال: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)[المطففين: ٢٧ - ٢٨]، فلما باين [بين الأبرار والمقربين في الشراب على ما يأتي (٨) بيانه، باين] (٩) بينهم في


(١) في (الأصل): ولم يذكروا، وما أثبته من (ع)؛ لأن الذي لم يذكر هو النبي فقط.
(٢) (ولم يذكروا عملًا ولا شيئًا سوى الإيمان والتصديق للمرسلين): ساقط من (ظ).
(٣) في (ع): لتعلم.
(٤) في (ظ): وقد قال الله تعالى.
(٥) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).
(٦) في (ع): يخلط، وفي (ظ): يخلطه.
(٧) في نوادر الأصول ٣/ ٩٥.
(٨) ص (١٠٢٩).
(٩) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).

<<  <  ج: ص:  >  >>