للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الغد وجه إلي بالكتاب، فقلت لابني: وجه بهذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته، فقال لي: إن أبا عثمان بعيد الغور فينبغي أن نفضه وننظر ما فيه، ففعل، فإذا فيه: كتابي إليك مع من لا أعرفه، فقد كلمني فيه من لا أوجب حقه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذممك. فلما قرأت الكتاب مضيت إلى الجاحظ من فوري، فقال: يا أبا عبد الله، قد علمت أنك أنكرت ما في الكتاب. فقلت: أوليس موضع نكرة؟ فقال: لا، هذه علامة بيني وبين الرجل فيمن اعتني به. فقلت: لا إله إلا الله، ما رأيت أحدا أعلم بطبعك ولا بما جبلت عليه من هذا الرجل، علمت أنه لما قرأ الكتاب قال: أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف، وأم من يسأله حاجة. فقلت: يا هذا تشتم صديقنا؟ فقال: هذه علامتي فيمن أشكره!

وأخبرني الصيمري، قال: حدثنا محمد بن عمران، قال: حدثني عبد الواحد بن محمد الخصيبي، قال: حدثني أبو يوسف عبد الرحمن بن محمد الكاتب، قال: كان الجاحظ يتقلد في خلافة إبراهيم بن العباس على ديوان الرسائل، فلما جاء إلى الديوان جاءه أبو العيناء، فلما أراد أن يخرج من عنده تقدم إلى من يحجبه أن لا يدعه يخرج ولا يدعه يرجع إليه إن أراد الرجوع، فخرج أبو العيناء يريد الانصراف فمنع من الخروج ومن الرجوع إلى الجاحظ، فنادى أبو العيناء بأعلى صوته: يا أبا عثمان قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك.

أخبرني أبو بكر البرقاني، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى المكي، قال: كتب أبو العيناء إلى صديق له ولي ولاية: أما بعد، فإني لا أعظك بموعظة الله لأنك عنها غني، ولا أخوفك إياه لأنك أعلم به مني، ولكني أقول كما قال الأول [من الطويل]:

أحار ابن بدر قد وليت ولاية فكن جرذا فيها تخون وتسرق وكاثر تميما بالغنى إنما الغنى لسان به المرء الهيوبة ينطق

<<  <  ج: ص:  >  >>