أنسي، تخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات؟ فيقول لي: كم أنسي وعزلتي؟ لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا، ولو أن النصف الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم.
قال: وسمعت الجنيد يقول: كان الحارث كثير الضر، فاجتاز بي يوما وأنا جالس على بابنا، فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع، فقلت له: يا عم، لو دخلت إلينا نلت من شيء عندنا؟ قال: أو تفعل؟ قلت: نعم، وتسرني بذلك وتبرني، فدخلت بين يديه ودخل معي، وعمدت إلى بيت عمي، وكان أوسع من بيتنا لا يخلو من أطعمة فاخرة لا تكون مثلها في بيتنا سريعا، فجئت بأنواع كثيرة من الطعام، فوضعته بين يديه، فمد يده وأخذ لقمة فرفعها إلى فيه، فرأيته يلوكها ولا يزدردها، فوثب وخرج وما كلمني، فلما كان الغد لقيته، فقلت: يا عم سررتني ثم نغصت علي؟ قال: يا بني أما الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدت في أن أنال من الطعام الذي قدمته إلي، ولكن بيني وبين الله علامة إذا لم يكن الطعام مرضيا ارتفع إلى أنفي منه زفورة فلم تقبله نفسي، فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت.
أخبرنا أبو نعيم، قال: أخبرني جعفر الخلدي في كتابه، قال: سمعت الجنيد يقول: مات أبو حارث المحاسبي يوم مات وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة، وخلف مالا كثيرا، وما أخذ منه حبة واحدة، وقال: أهل ملتين لا يتوارثان، وكان أبوه واقفيا.
أخبرنا أبو نعيم، قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت