أبا علي بن خيران الفقيه يقول: رأيت أبا عبد الله الحارث بن أسد بباب الطاق في وسط الطريق متعلقا بأبيه، والناس قد اجتمعوا عليه يقول له: طلق أمي؛ فإنك على دين، وهي على غيره.
قلت: وكان أحمد بن حنبل يكره لحارث نظره في الكلام وتصانيفه الكتب فيه، ويصد الناس عنه.
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق - يعني الصبغي - يقول: سمعت إسماعيل بن إسحاق السراج يقول: قال لي أحمد بن حنبل يوما: يبلغني أن الحارث هذا يعني المحاسبي يكثر الكون عندك، فلو أحضرته منزلك وأجلستني من حيث لا يراني فأسمع كلامه، فقلت: السمع والطاعة لك يا أبا عبد الله. وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث وسألته أن يحضرنا تلك الليلة، فقلت: وتسل أصحابك أن يحضروا معك، فقال: يا إسماعيل فيهم كثرة فلا تزدهم على الكُسْب والتمر، وأكثر منهما ما استطعت. ففعلت ما أمرني به، وانصرفت إلى أبي عبد الله فأخبرته، فحضر بعد المغرب، وصعد غرفة في الدار، فاجتهد في ورده إلى أن فرغ، وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا ثم قاموا لصلاة العتمة، ولم يصلوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث، وهم سكوت لا ينطق واحد منهم إلى قريب من نصف الليل، فابتدأ واحد منهم وسأل الحارث عن مسألة، فأخذ في الكلام وأصحابه يستمعون، وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يَحِنّ، ومنهم من يزعق، وهو في كلامه، فصعدت الغرفة لأتعرف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حتى غشي عليه، فانصرفت إليهم ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا، فقاموا وتفرقوا، فصعدت إلى أبي عبد الله وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا