ومن خير حالات الفتى لو علمته إذا نال خيرا أن يكون ينيل عطائي عطاء المكثرين تكرما ومالي كما قد تعلمين قليل وإني رأيت البخل يزري بأهله ويحقر يوما أن يقال بخيل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ورأي أمير المؤمنين جميل فقال: لا، كيف إن شاء الله، يا فضل أعطه مِائَة ألف درهم، لله در أبيات تأتينا بها ما أحسن فصولها، وأثبت أصولها، فقلت: يا أمير المؤمنين كلامك أجود من شعري قال: أحسنت يا فضل أعطه مِائَة ألف أخرى.
أخبرني الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: أخبرني أبو العباس المنصوري، عن عمرو بن بحر قال: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء وسرورا، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة كان في عصره كجرير في عصره، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس، وأشده تعاظما، ومغنيه إبراهيم الموصلي واحد عصره في صناعته، وضاربه زلزل، وزامره برصوما، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير، وأسرعهم إلى كل بر، وهي أسرع الناس في معروف، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك إلى أشياء من المعروف.
أخبرنا القاضي أبو الطيب الطبري، قال: حدثنا المعافى بن زكريا، قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا محمد بن القاسم الضرير قال: قال الأصمعي: دخل العباس بن الأحنف على هارون الرشيد فقال له هارون: أنشدني أرق بيت قالته العرب فقال: قد أكثر الناس في بيت جميل حيث يقول [من الطويل]:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني بثينة لا يخفى علي كلامها