إليه فقالوا: نحن نبلغ للناس ما يحبون، فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم.
قال: وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا، فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له: من أعز الناس؟ قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قال: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فردا قال: يا أمير المؤمنين لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها، وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما؟ قال له: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذو الفضل. قال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد ثبتت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل، وإن كان كبيرا عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه، ووالده ومعلمه العلم. وقد عوضتهما مما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.
وأخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي، قال: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا أبو العباس ثعلب، عن ابن نجدة قال: لما تصدى أبو زكريا للاتصال بالمأمون كان يتردد إلى الباب، فلما أن كان ذات يوم جاء ثمامة قال: فرأيت أبهة أدب، فجلست إليه ففاتشته عن