ثم عاد إلى الحث على غزوة تبوك فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قيل إنها أول ما نزل من سورة براءة، وهو قول سديد يتفق وما روي أن صدر السورة نزل قبيل خروج أبي بكر أميرا على الحج سنة تسع أو بعد خروجه بقليل، وتبوك قبل حجة الصديق قطعا.
ومعناها: شبابا وشيبا، وأغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، ومشاة وركبانا، في العسر واليسر، والمنشط والمكره. ثم من العلماء من يرى أن ذلك كان في أول الأمر بسبب ما لابس تبوك من ظروف، ثم نسخ باية لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى.... واية: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ، ومنهم من يرى أنها محكمة، وكان بعض السلف الصالح على هذا، ويخرج للجهاد على أي حال «١» منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن عمرو من الصحابة، ومن التابعين سعيد بن المسيب كما قدمنا.
ذلِكُمْ: أي الجهاد بالنفس والمال خَيْرٌ لَكُمْ: في الدنيا لما فيه من العزّة والظهور على الأعداء، والاخرة لأن الله ضمن للمجاهدين في سبيل الله الجنة. ثم وبّخ الله المتخلفين في تبوك فقال: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً: أي غنيمة قريبة المتناول. وَسَفَراً قاصِداً: قريبا هيّنا. لَاتَّبَعُوكَ: لخرجوا معك.
وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ: المسافة. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ: لكم إذا رجعتم إليهم قائلين: لَوِ اسْتَطَعْنا: الخروج، لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ... : بالتخلف من غير عذر والأيمان الكاذبة.
كان جماعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلفوا عنه فأذن لهم، وكان الأولى أن لا يأذن لهم لأنهم لا أعذار لهم، فعاتبه الله على هذا، وهذا من ألطف أنواع الكلام، حيث قدّم العفو على العتاب. وهو يدل على غاية إكرام الله لخاتم