أنبيائه، وحفاوته به فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ.
ثم بين الله أنه لا يستأذنه المؤمنون المخلصون في التخلف عن الجهاد، وإنما ذلك شأن المنافقين فقال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ: شكت ونافقت، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: يتحيرون لا يثبتون على حال.
ثم هوّن الله الأمر على نبيه في شأن المتخلفين، وأنهم لم يكونوا جادّين في اعتذارهم، وأن الخير في عدم خروجهم فقال: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً: من سلاح وكراع «١» ، وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ:
خروجهم معكم مع أمرهم به شرعا، فَثَبَّطَهُمْ: بعد التوفيق وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: المرضى والزّمنى والنساء والصبيان. أي قال بعضهم لبعضهم ذلك.
ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا: أي فسادا وشرا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ: الإيضاع الإسراع، أي لأسرعوا بالسعي فيما بينكم بالفتنة والبغضاء والنميمة، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ: أي مستجيبون لأحاديثهم ووسوستهم. ثم بين الله سبحانه أنهم طالما فكروا في كيدك وخذلان دينك، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كما فعل ابن أبيّ في أحد، ولكن الله ردّ كيدهم في نحرهم، ونصرك وأظهر دينك، فقال: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ النصر وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ: دينه على كره منهم. قال تعالى:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي: نزلت في الجدّ بن قيس كما قدمنا.
ثم بيّن الله تأصل عداوة هؤلاء المنافقين فقال: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ:
نصر أو غنيمة تَسُؤْهُمْ: تحزنهم وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ: من قتل أو هزيمة