للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أسلموا صاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان، وكان رسول الله يأتيهم كل ليلة، فيعظهم ويفقههم وهو قائم، فأبطأ عليهم ذات ليلة فسألوه، فقال: «طرأ عليّ حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه» فسألوا الصحابة كيف تحزّبون القران، فقالوا: «ثلاث وخمس وسبع وتسع، وإحدى عشرة سورة، وحزب المفصّل واحده» «١» .

ثم أمرّ عليهم بمشورة الصدّيق عثمان بن أبي العاص، لحرصه على القران والنفقة في الإسلام، وكان مما أوصاه به أنه قال: «من أمّ قوما فليخفف، فإن فيهم الضعيف والكبير، وذا الحاجة، فإذا صلّى واحده فليصلّ كيف شاء» «٢» . وفي سنن ابن ماجه أن النبي بيّن له أن يقرأ بسورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأشباهها من القران، وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول؛ فإن قوما رغبوا أن يتحللوا من الصلاة ينبغي أن يخفف عنهم في الصلاة حتى لا يسأموا، ولعل في هذا بلاغا للذين ينفّرون الناس أو بعضهم بإطالة الصلاة.

فلما رجعوا إلى بلادهم بعث معهم رسول الله أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم (اللات) ، فتولى المغيرة هدمها حتى جاء على أساسها بعد أن أشفق عليه قومه أن يصاب كما هي عقائدهم الخرافية، فأيقنوا- وقد فرغ من هدمها وهو معافى- أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، وهكذا طهر الله أرض ثقيف من الأصنام، ووفقهم إلى عبادة الله واحده.

وذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن وفد ثقيف لم يجرؤوا أن يصارحوا قومهم بإسلامهم وما عاهدوا الرسول عليه، وقالوا: إنه يريد أن يحرم علينا الربا والزنا والخمر، فنفروا وقالوا: لا نطيع له أبدا، وتأهبوا للقتال، ومكثوا على ذلك يوما أو يومين، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا وقالوا: ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك وصالحوه، فقالوا لهم: فإنا قد فعلنا ذلك ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم، وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في سيرنا، وفيما


(١) رواه أبو داود.
(٢) رواه أحمد ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>