للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها، فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله فيما هدم من العقائد والخرافات، وقال العلامة ابن كثير:

كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش- وهم الحمس- «١» يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه، ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر، وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... وما بدا منه فلا أحلّه

وأكثر ما كان الناس يطوفون عراة بالليل، وكان هذا ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه أهواءهم، ويعتقدون أن فعل ابائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله عليهم ذلك فقال:

وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «٢» .

وقد كان المشركون يجتمعون مع المسلمين في الحج، فأراد الله ألايكون ذلك، فقد دالت دولة الشرك والأوثان، وأصبحت كلمة الله هي العليا، وقد امتثل المشركون فلم يأت مشرك عام حجة الوداع، وانفرد المسلمون بالبيت لا يشاركهم فيه أحد، قال الله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ


(١) الحمس: جمع أحمس كأحمر، سميت قريش بذلك، لتحمسها أي تشددها على أنفسها في عبادتها ودينها، وقيل: سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد.
(٢) تفسير ابن كثير والبغوي، ج ٣ ص ٤٦٤. والاية هي ٢٨ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>