للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمحال أن يبشرها بأن يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه، ولا ريب أن يعقوب عليه السلام- داخل في البشارة، فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة الصافات (الايات من ١٠٣- ١١١) .

ثم قال تعالى:

وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) «١» .

فهذه بشارة من الله تعالى له، شكرا على صبره على ما أمر به. وهذا ظاهر جدا في أن المبشّر به غير الأول، بل هو كالنص فيه.

وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله. ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة، دون إسحاق وأمه، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل، وكان النحر بمكة من تمام حجّ البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانا ومكانا، ولو كان الذبح بالشام- كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقّى عنهم- لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة.

وأيضا: فإن الله سبحانه وتعالى سمّى الذبيح حليما، لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سمّاه عليما فقال تعالى:

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)

إلى أن قال:

قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) «٢» .


(١) الاية ١١٢ من سورة الصافات.
(٢) الايات ٢٤- ٢٨ من سورة الذاريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>