للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا إسحاق بلا ريب، لأنه من امرأته، وهي المبشرة به، وأما إسماعيل فمن السرية «١» - يعني هاجر.

وأيضا فلأنهما بشّرا به على الكبر، واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك ...

وأيضا فإن سارة امرأة الخليل صلّى الله عليه وسلّم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة، فإنها كانت جارية، فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة؛ فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة؛ لتبرد عن سارة حرارة الغيرة، وهذا من رحمة الله تعالى بها ورأفته وإبعاده الضرر عنها، وجبره لها، فكيف يأمر بعد هذه بذبح ابنها دون ابن الجارية؟! بل حكمته البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد السرية، فحينئذ يرق قلب السيدة عليها وعلى ولدها وتتبدل قسوة الغيرة رحمة، ويظهر لها بركة الجارية وولدها، وأن الله لا يضيع بيتا، هذه وابنها منهم، وليري عباده جبره بعد الكسر، ولطفه بعد الشدة، وأن عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد، والواحدة، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد- الت إلى ما الت إليه من جعل اثارهما، ومواطىء أقدامهما مناسك لعبادة المؤمنين، ومتعبدا لهم إلى يوم القيامة، وهذه سنته فيمن يريد رفعه من خلقه:

أن يمنّ عليه بعد استضعافه، وذلّه، وانكساره، قال تعالى:

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ.

ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» «٢» .

وكذلك دلّت الأحاديث والاثار عن الصحابة والتابعين، روى الحاكم في


(١) قال في المصباح المنير: «والسرية: فعلية، قيل: مأخوذة من السّر- بالكسر- وقيل من السر- بالضم- بمعنى السرور، لأن مالكها يسر بها، فهو على القياس» وأما على الأول فضم السين من تغيير النسب.
(٢) زاد المعاد ج ١، ص ٢٨- ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>