أقول: ولم يذكر ابن إسحاق «غزوة بني قينقاع» مع أنها أولى بتسميتها غزوة من عمرة القضاء، وهذا يدل على أن المسألة اعتبارية، وهي مما تختلف فيها الأنظار، ولا أدري السبب في عدم ذكر غزوة بني قينقاع إلا أن يكون سهوا، والكمال لله والعصمة لرسوله، كذلك خالفت ابن إسحاق في ترتيبه للغزوات بناء على الدليل والبرهان، وقد بينت ذلك ثم قال ابن إسحاق: وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثماني وثلاثين من بين بعث وسرية. ثم شرع- رحمه الله- في تفصيل ذلك.
وقال موسى بن عقبة في مغازيه:(قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر، ثم أحد، ثم الأحزاب، ثم المصطلق، ثم خيبر، ثم مكة، ثم حنين، ثم الطائف) ، فأهمل غزوة قريظة لأنه اعتبرها والأحزاب غزوة واحدة، بينما أفردها ابن إسحاق، وعلى هذا لا تنافي بين ما ذكره موسى بن عقبة، وما ذكره ابن إسحاق.
وكذلك عدّ ابن سعد في «الطبقات» المغازي سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو موافق لما ذكره ابن إسحاق كما قدمنا. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السهيلي، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيّب قال:(غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة) وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق، فزاد فيه: أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة، ثم قال أربعا وعشرين. قال الزهري فلا أدري أوهم- غلط- أو كان شيئا سمعه بعد؟ قلت- أي الحافظ-:
وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال، والله أعلم.
وأما البعوث والسرايا فقد عدها ابن إسحاق ثماني وثلاثين، وعدّها الواقدي ثماني وأربعين، وعدها ابن سعد ستا وخمسين، وحكى ذلك