للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الجوزي في «التلقيح» ، وعدها المسعودي ستين، وبلغها الحافظ العراقي في نظم السيرة زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في «الإكليل» أنها تزيد على مائة؛ فلعله أراد ضم المغازي إليها، كما قال الحافظ في الفتح.

فلا يهولنّك- أيها القارىء الفطن- ما ترى من اختلاف في العدة، فالعبارات ليست حاصرة، والعدد كما يقول بعض الأصوليين لا مفهوم له؛ فذكر الأقل لا ينفي ذكر الأكثر، والمسألة كما قلت لك اعتبارية، فمن ثمّ اختلفت العبارات في العدة لاختلاف الاعتبارات؛ وكلّ أخبر بما علم، وقد يكون عند الواحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند الاخر، وقد يشهد الواحد منهم ما لا يشهد الاخر.

وهذا هو اللائق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين، الذين نشروا الإسلام وضحوا في سبيله بالنفس والنفيس، والأهل والولد، وكان الواحد منهم لأن يخر من أعلا جبل، أهون عليه من أن يكذب على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، أو يصفه بما ليس فيه، أو ينسب إليه ما لم يصدر عنه.

وكانوا من العدالة، ومن الصدق، والضبط بالمحل الأرفع، وكيف لا وقد أثنى الله عليهم بالثناء المستطاب في القران الكريم، وضرب بهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأثنى عليهم الرسول الكريم غاية الثناء؟

ولا تعجب- يا قارئي الحصيف- إذا كنت أعنى بالتوفيق بين الايات القرانية، والأحاديث والمرويات، لأن هذا من جلّ مقاصدي في هذا الكتاب أن أبين أن ايات الله يصدّق بعضها بعضا، وتتعارف ولا تتناكر، وتتالف ولا تتخالف، وأن الأحاديث الصحيحة الثابتة لا يرد بعضها بعضا، ولا يناقض بعضها البعض الاخر، وأن لهذه وتلك مخارج صحيحة لمن أعمل الذهن، وقدح الفكر، وتناولها بالقلب المؤمن، والعقل المتئد البصير، رزقني الله وإياك إيمانا ثابتا لا يتزعزع، وقلبا بصيرا تقيا، من الشكوك نقيا، وعلما نافعا، ولسانا ذاكرا،

<<  <  ج: ص:  >  >>