للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بادت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذّ الخطب الطوال بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق ولا يطلب الفلج «١» إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة «٢» ، ولا يستعمل المواربة «٣» ، ولا يهمز، ولا يلمز «٤» ، ولا يبطىء ولا يعجّل، ولا يسهب ولا يحصر «٥» ، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى «٦» من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيرا ... ثم قال:

قال محمد: قال يونس بن حبيب: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد جمعت لك في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الأخبار، ولعل بعض من لم يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلم، يظن أنّا قد تكلفنا له في الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده، ولا يبلغه قدره، كلا، والذي جرّم «٧» التزيد عند العلماء وقبح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضلّ سعيه.

فمن كلامه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأنصار: «أما والله ما علمتم إلا لتقلّون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع» وقال: «الناس سواسية كأسنان المشط» «٨» ...


(١) الفلج- بفتح الفاء وفتح اللام وسكونها- الفوز والغلب.
(٢) الخداع.
(٣) المداهنة.
(٤) الهمز: العيب بالجوارح. واللمز: العيب باللسان، وقيل هما بمعنى.
(٥) حصر يحصر حصرا من باب «تعب» عيّ في الكلام.
(٦) الفحوى: المعنى.
(٧) جرّم: جعله جرما وإثما.
(٨) رواه الديلمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>