للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقام أبو بكر وعمر إلى ابنتيهما يزجرانهما ويقولان: لا تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فتعهدتا بذلك، وبعد مضي مدة الاعتزال أنزل الله ايتي التخيير، قال عز شأنه:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً «١» .

فبدأ رسول الله بعائشة وقال: «يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألاتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك» قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الايتين. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الاخرة، وأسألك ألاتخيّر امرأة من نسائك بالذي قلت، فأبى وقال:

«لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله لم يبعثني متعنتا، ولكن بعثني معلّما ميسرا» !! «٢» ، ثم خيّرهنّ فكلهن اخترن الله ورسوله، رضي الله عنهن.

وحادثة أخرى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى العصر دار على نسائه يلاطفهن ويؤانسهن بالمحادثة، وربما يطيل المكث عند بعضهن، فتأخذ الغيرة بنفوس بعضهن. فدخل ذات يوم على السيدة زينب بنت جحش، فمكث عندها وشرب عسلا، فتواطأت عائشة وحفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير «٣» - وكان النبي يكره الرائحة الخبيثة- فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال: «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود إليه، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا» «٤» .


(١) سورة الأحزاب: الايتان ٢٨- ٢٩.
(٢) فتح الباري ج ٨ ص ٤٢٢- ٤٢٤، صحيح مسلم- كتاب الطلاق- باب أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية.
(٣) مغافير: جمع مغفور بضم الميم وهو صبغ له رائحة كريهة، وينضحه شجر يسمى: العرفط، بضم العين والفاء.
(٤) رواه البخاري ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>