وفي الحديث الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة ... » ورواه مسلم بلفظ: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» وفي رواية:
«وبعثت إلى الخلق كافة» .
والحق ما لم تكن له قوة تؤيده وتفسح له الطريق كي يأخذ سبيله إلى القلوب والعقول كان حقا مضيعا، فكان لابدّ في هذا العهد من تشريع القتال في الإسلام، ولو أن المناهضين للدعوة اكتفوا في ذلك بالحجاج والكلام، لقابلهم الإسلام بالمثل ولكان له الفوز والغلب. ولكنهم سلكوا مسلك القوة، وحملوا السلاح، فكان من العدل والحق أن تقابل القوة بالقوة، والسلاح بالسلاح، ولا سيما وقد أضحى للمسلمين قوة وكيان.
وقد كانت هذه الفترة من عمر الإسلام أخصب الفترتين، ففيها نزلت معظم التشريعات التفصيلية والأحكام العملية في الحلال والحرام، والعبادات والمعاملات والحدود والجنائيات، والحروب والمعاهدات، والعلاقات الدولية، والنظم السياسية، وذلك لأن حياة المسلمين في المدينة بدأت في الاستقرار، وأصبح لهم دولة وسلطان، ومن شأن الجماعة التي لها رابطة تربطها أن تكون في مسيس الحاجة إلى تشريع يتكفل بما تحتاج إليه في دينها ودنياها.
وشيء اخر: ذلك أن التشريعات العملية- ولا سيما الحدود والجنائيات- مرتبطة بسلطان الحكم التنفيذي، فلا تشريع لمن لا يملك حق التنفيذ.
وقد أشارت إلى هذه الحكمة التشريعية السيدة العاقلة العالمة عائشة