للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عدل الحاكم، وإنصاف المحكومين، والرحمة الفائقة، والإنسانية المهذبة في الغزوات والفتوح، إنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فلا عجب أن أسرعت إلى اعتناقه النفوس، واستجابت إليه الفطرة السليمة، وتحمّلت في سبيله ما تحملت، فاستعذبت العذاب، واستحلت المر، واستسهلت الصعب، وركبت الوعر، وضحت بكل عزيز وغال في سبيله.

والان وقد فرغنا من تفنيد ما بنوا عليه مزاعمهم الكاذبة، من دعوة الإسلام إلى الجهاد، وتحريم المسيحية له، فلنأخذ في تفنيد هذه الدعوى الظالمة من واقع تاريخ الدعوة المحمدية قبل فرض الجهاد، ومن حكم تشريعه في الإسلام، ومن نصوص القران والسنّة المتكاثرة، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير خلفائه الراشدين وأصحابه، ومن واقع تاريخ المسلمين اليوم، وما تعرضوا له من اضطهاد وحروب ومظالم، لم تزدهم إلا صلابة في التمسك بالإسلام، والعض عليه بالنواجذ، فأقول وبالله التوفيق:

١- لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو إلى الله بالحجة والموعظة الحسنة، وقد دخل في الإسلام في هذه الفترة من الدعوة خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن عند رسول الله من الثراء ما يغري هؤلاء، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وقد تحمّل المسلمون ولا سيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم من صنوف العذاب والبلاء ألوانا، فما صرفهم ذلك عن دينهم، وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة في الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحدا منهم ارتدّ سخطا عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوة وصلابة، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة، وفي المرارة حلاوة.

ثم كان أن هاجر بعضهم إلى بلاد الحبشة هجرتين، ثم هاجروا جميعا الهجرة الكبرى إلى المدينة، تاركين الأهل والولد والمال والوطن، متحملين الام

<<  <  ج: ص:  >  >>