للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سرورا عظيما، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له اثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد ذهب إلى مكة معتمرا، فهمّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فالى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئا من حبوب اليمامة حتى يؤمنوا، فجاهدوا جهدا شديدا فلم يروا بدّا من الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ترى ماذا كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم؟ أيدع ثمامة حتى يلجئهم بسبب منع الحبوب عنهم إلى الإيمان؟ لا، لقد عاملهم بما عرف عنه من التسامح، وألاإكراه في الدين، فكتب إلى ثمامة أن يخلّي بينهم وبين حبوب اليمامة، ففعل!! فما رأيكم أيها المفترون؟

بل امتد أثر دخوله في الإسلام على أساس من الاختيار والرغبة الصادقة إلى ما بعد حياة النبي، ذلك أنه لما ارتد بعض أهل اليمامة ثبت ثمامة ومن اتبعه من قومه على الإسلام، وصار يحذر المرتدين من اتباع مسيلمة الكذاب، ويقول لهم: (إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به منكم) ، ولما لم يجد النصح معهم خرج هو ومن معه من المسلمين وانضموا للعلاء بن الحضرمي مددا له، فكان هذا مما فتّ في عضد المرتدين، وألحق بهم الهزيمة «١» .

وإليك قصة أخرى: لما فتح النبي مكة ودخلها ظافرا منتصرا كان صفوان بن أمية «٢» ممن أهدرت دماؤهم لشدة عداوتهم للإسلام، والتأليب على المسلمين، فاختفى وأراد أن يذهب ليلقي بنفسه في البحر، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال: يا نبي الله، إن صفوان سيد قومه، وقد هرب


(١) الإصابة في تمييز الصحابة، والاستيعاب بالهامش، ج ١ ص ٢٠٣.
(٢) صفوان هذا هو الذي كان أغرى عميرا هذا على قتل النبي بعد بدر، فلما قدم عمير لتنفيذ ما اتفقا عليه أخبره النبي بما جرى، فما كان منه إلا أن أسلم وحسن إسلامه لما استيقن أنه نبي يوحي إليه من ربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>