ليقذف نفسه في البحر فأمّنه، فأعطاه عمامته، فأخذها عمير حتى إذا لقي صفوان قال له:(فداك أبي وأمي. جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس؛ وهو ابن عمك؛ وعزه عزك؛ وشرفه شرفك، وملكه ملكك) فقال صفوان:
إني أخافه على نفسي. قال عمير: هو أحلم من ذلك وأكرم، وأراه علامة الأمان وهي العمامة، وقيل برده، فرجع إلى رسول الله فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني، فقال النبي:«صدق» ، فقال صفوان: أمهلني بالخيار شهرين، فقال له رسول الله:«بل أربعة أشهر» ، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه.
فهل بعد هذه الحجج الدامغة يتقوّل متقوّل على الإسلام زاعما أنه قام على السيف والإكراه؟!
٥- ثم ما رأي المبشّرين والمستشرقين في أن من أكره على شيء لا يلبث أن يتحلل منه إذا وجد الفرصة سانحة له، بل ويصبح حربا على هذا الذي أكره عليه؟ ولكن التاريخ الصادق يكذب هذا، فنحن نعلم أن العرب- إلا شرذمة، تسور الشيطان عليها- ثبتوا على ما تركهم عليه الرسول، وحملوا الرسالة، وبلّغوا الأمانة كأحسن ما يكون البلاغ إلى الناس كافة، ولم يزالوا يكافحون ويجاهدون في سبيل تأمين الدعوة وإزالة العوائق من طريقها حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار في أقل من قرن من الزمان، ومن يطّلع على ما صنعه العرب في حروبهم وفتوحاتهم لا يسعه إلا أن يجزم بأن هؤلاء الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله، لا يمكن أن يكون قد تطرق الإكراه إلى قلوبهم، وفي صحائف البطولة التي خطوها أقوى برهان على إخلاصهم وصدق إيمانهم، وسل سهول الشام وسهول العراق، وسل اليرموك والقادسية، وسل شمال إفريقيا تخبرك ما صنع هؤلاء الأبطال.
٦- ثم ما رأي هؤلاء المفترين على الإسلام في حالة المسلمين لمّا ذهبت ريحهم، وانقسمت دولتهم الكبرى إلى دويلات، وصاروا شيعا وأحزابا، وتعرضوا لمحن كثيرة في تاريخهم الطويل كمحنة التتار، والصليبيين في القديم، ودول الاستعمار في الحديث، وكل محنة من هذه المحن كانت كافية للمكرهين