للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو من هو في الإسلام، وصاحب الموافقات، وربما يكون في هذا غضاضة على عمر.

وفكّر الرسول ثم فكر، فتفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحازم البصير، فخرج وأثنى على كلا الرجلين ثناء نابعا من طبيعة الرجلين، لا تحيّف فيه على أحدهما، ولا هضم لحقه، ولا محاباة ولا مداهنة، فشبّه الصديق بنبيين رحيمين: إبراهيم وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وشبه الفاروق بنبيين اشتد غضبهما على قومهما، بعد أن لم يدعا في قوس الصبر منزعا، وهما: نوح وموسى عليهما الصلاة والسلام، ثم رأى رأي الصدّيق، وبهذه التقدمة البارعة قضى الرسول على ما عسى أن يداخل نفس الفاروق، فإذا كان الرسول لم يأخذ برأيه فبحسبه شرفا وتقديرا أن يكون شبيها بنبيين من أولي العزم من الرسل، وإنها لأمنية تنقطع دونها الأماني، وحلم ترنو إليه أي نفس مهما بلغت من أصالة الرأي، وحسن التدبير، والاقتناع بما رأت.

ومن هذه السياسة الحكيمة إسهام النبي لكل من لم يحضر الموقعة لتخلّفه في مصلحة عامة أو خاصة، وكذلك إسهامه لمن استشهدوا في بدر وإعطاء حقوقهم لورثتهم وذويهم، وبذلك كان للإسلام السبق في تكريم الشهداء ورعاية أسرهم وأبنائهم من قرابة أربعة عشر قرنا.

٦- عدالة النبي التامة في أخذ الفداء من القادرين عليه، وعدم محاباته لذوي قرباه، بل كان الأمر على خلاف ذلك، فقد أغلا الفداء على عمه العباس، ولم يقبل أن يتنازل له أخواله من الأنصار عن شيء منه، وترك أمر صهره إلى خيار المسلمين، فمنّوا عليه لمّا رأوا زوجته السيدة زينب أرسلت في فدائه بقلادتها الغالية التي تحمل في نفسها أعظم ذكرى لأمها السيدة خديجة، وفضل خديجة على الإسلام مذكور مشكور، وقد دلّل المسلمون بصنيعهم هذا على حسّ مرهف، وشعور كريم، وإنسانية فائقة، وعلى حين فعل النبي هذا مع ذوي قرباه منّ على أناس لا يمتون إليه بصلة القربى لاعتبارات تدعو إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>