للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧- أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه إذا اجتهد في أمر من الأمور وسكت الوحي عن هذا الاجتهاد كان ذلك دليلا على موافقته الصواب والحق، واكتسب صفة إقرار الوحي لما أدّى إليه الاجتهاد، لأنه سبحانه حاشاه أن يقر نبيه على أمر يخالف الحق والصواب، أما إذا اجتهد النبي ولم يصادف الصواب نزل الوحي معاتبا ومبينا، وذاك كما حدث في هذه الغزوة.

فقد نزل قوله تعالى معاتبا: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... والنبي في كلتا الحالتين مأجور، لأن الإسلام يقرر أن من اجتهد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وهذا يدل على مبلغ تقدير الإسلام للاجتهاد والدعوة إليه، وتكريم المجتهدين، وهذا الذي ذهبنا إليه من أنه صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد هو ما عليه جمهور العلماء والمحققون منهم، وهو الرأي الراجح المنصور.

٨- حدوث بعض المعجزات النبوية الحسية في هذه الموقعة: فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس قاتل يوم بدر بسيفه حتى انكسر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا «١» من حطب، فقال: «قاتل بهذا يا عكاشة» فأخذه فهزّه فصار سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان يسمى «العون» ، ولم يزل هذا السيف عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله حتى استشهد على يد طليحة الأسدي أيام حروب الردة.

وكان النبي يشيد بشجاعة عكاشة هذا فيقول: «منا خير فارس في العرب» قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: «عكاشة بن محصن» فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك رجل منا يا رسول الله، فقال: «ليس منكم ولكنه منا للحلف» «٢» وبحسبه شرفا هذا التقدير الكريم.


(١) الجذل: ما عظم من أصول الشجر المقطّع، وقيل: هو من العيدان ما كان على مثال شماريخ النخل وهو المراد.
(٢) الروض الأنف، ص ٧٣، الجمالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>