أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها بالمد، أي لأعطوها، وبغيره أي لجاؤوا بها، والمراد بالفتنة الشرك والردة، أقطارها: جوانبها وهي المدينة وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً يعني أنهم لو سئلوا الفتنة لما تريّثوا في الإجابة إلا قليلا ثم أعطوها، وهذا يدل على نفاقهم وضعف اعتقادهم وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا هم بنو حارثة همّوا أن ينكصوا يوم أحد مع بني سلمة فثبتهما الله، ثم عاهدوا الله ألايعودوا لمثلها أبدا، فلما كانت غزوة الأحزاب نكصوا وعادوا لما هموا به.
ثم بيّن سبحانه أن الجبن لا ينجي من القدر، وأن الموت بسيف، أو بدونه لابد أن يكون، وهبوا أنكم فررتم من أسباب الموت فما تتمتعون في الحياة إلا قليلا، فإن الحياة مهما طالت فهي قصيرة وعمر تأكله ذرات الدقائق والثواني وإن كثر فهو قليل، فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ثم بيّن سبحانه أن الموت والحياة، والخير والشر بيد الله، ولو أراد الله بكم سوا نزل بكم، ما عصمكم منه أحد منكم ولو أراد بكم خيرا ما منعه أحد عنكم، فقال: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وليا ينفعكم، ونصيرا يدفع الضر عنكم.
ثم قال سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ المنكّصين من القتال ونصرة الإسلام وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا هلمّ: تعالوا، البأس: الحرب، وهم عبد الله بن أبيّ ومن رجع معه إلى المدينة، فلم يكتفوا بزلتهم بل حاولوا استزلال غيرهم إلى القعود عن نصرة رسول الله أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بخلاء بالمعونة والإنفاق في سبيل الله.
ثم صوّر الله جبنهم أبلغ تصوير بقوله: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جاء الخوف أي أسبابه لم تستقر أعينهم على حال، كالذي غشيته سكرات الموت فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ نالوكم بألسنة بذيئة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعني أن